فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما أهل مكة، فإنهم كانوا أهل حرم الله، والعرب كانوا يحترمونهم ويخصونهم بالتعظيم والتكريم.
واعلم أنه يجوز وصف القرية بالأمن، وإن كان ذلك لأهلها لأجل أنها مكان الأمن وظرف له، والظروف من الأزمنة والأمكنة توصف بما حلها، كما يقال: طيب وحار وبارد.
والصفة الثانية: قوله: {مُّطْمَئِنَّةً} قال الواحدي: معناه أنها قارة ساكنة فأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق.
أقول: إن كان المراد من كونها مطمئنة أنهم لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بسبب الخوف، فهذا هو معنى كونها آمنة، وإن كان المراد أنهم لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بسبب الضيق، فهذا هو معنى قوله: {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ} وعلى كلا التقديرين فإنه يلزم التكرار.
والجواب: أن العقلاء قالوا:
ثلاثة ليس لها نهاية ** الأمن والصحة والكفاية

قوله: {ءَامِنَةً} إشارة إلى الأمن، وقوله: {مُّطْمَئِنَّةً} إشارة إلى الصحة، لأن هواء ذلك البلد لما كان ملائمًا لأمزجتهم اطمأنوا إليه واستقروا فيه، وقوله: {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ} إشارة إلى الكفاية.
قال المفسرون وقوله: {مِّن كُلِّ مَكَانٍ} السبب فيه إجابة دعوة إبراهيم عليه السلام وهو قوله: {فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ وارزقهم مّنَ الثمرات} [إبراهيم: 37]. ثم إنه تعالى لما وصف القرية بهذه الصفات الثلاثة قال: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} الأنعم جمع نعمة مثل أشد وشدة أقول هاهنا سؤال: وهو أن الأنعم جمع قلة، فكان المعنى: أن أهل تلك القرية كفرت بأنواع قليلة من النعم فعذبها الله، وكان اللائق أن يقال: إنهم كفروا بنعم عظيمة لله فاستوجبوا العذاب، فما السبب في ذكر جمع القلة؟
والجواب: المقصود التنبيه بالأدنى على الأعلى يعني أن كفران النعم القليلة لما أوجب العذاب فكفران النعم الكثيرة أولى بإيجاب العذاب، وهذا مثل أهل مكة لأنهم كانوا في الأمن والطمأنينة والخصب، ثم أنعم الله عليهم بالنعمة العظيمة، وهو محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به وبالغوا في إيذائه فلا جرم سلط الله عليهم البلاء.
قال المفسرون: عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام والعلهز والقد، أما الخوف فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم.
ونقل أن ابن الراوندي قال لابن الأعرابي الأديب: هل يذاق اللباس؟ قال ابن الأعرابي: لا باس ولا لباس يا أيها النسناس، هب أنك تشك أن محمدًا ما كان نبيًا أما كان عربيًا وكان مقصود ابن الراوندي الطعن في هذه الآية، وهو أن اللباس لا يذاق بل يلبس فكان الواجب أن يقال: فكساهم الله لباس الجوع، أو يقال: فأذاقهم الله طعم الجوع.
وأقول جوابه من وجوه:
الوجه الأول: أن الأحوال التي حصلت لهم عند الجوع نوعان.
أحدهما: أن المذوق هو الطعم فلما فقدوا الطعام صاروا كأنهم يذوقون الجوع.
والثاني: أن ذلك الجوع كان شديدًا كاملًا فصار كأنه أحاط بهم من كل الجهات، فأشبه اللباس.
فالحاصل أنه حصل في ذلك الجوع حالة تشبه المذوق، وحالة تشبه الملبوس، فاعتبر الله تعالى كلا الاعتبارين، فقال: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف}.
والوجه الثاني: أن التقدير أن الله عرفها لباس الجوع والخوف إلا أنه تعالى عبر عن التعريف بلفظ الإذاقة وأصل الذوق بالفم، ثم قد يستعار فيوضع موضع التعرف وهو الاختبار، تقول: ناظر فلانًا وذق ما عنده.
قال الشاعر:
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ** وسيق إلينا عذبها وعذابها

ولباس الجوع والخوف هو ما ظهر عليهم من الضمور وشحوب اللون ونهكة البدن وتغير الحال وكسوف البال فكما تقول: تعرفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان، كذلك يجوز أن تقول: ذقت لباس الجوع والخوف على فلان.
والوجه الثالث: أن يحمل لفظ اللبس على المماسة، فصار التقدير: فأذاقها الله مساس الجوع والخوف.
ثم قال تعالى: {بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} قال ابن عباس: يريد بفعلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم حين كذبوه وأخرجوه من مكة وهموا بقتله.
قال الفراء: ولم يقل بما صنعت، ومثله في القرآن كثير، ومنه قوله تعالى: {فَجَاءهَا بَأْسُنَا بياتا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4]، ولم يقل قائلة، وتحقيق الكلام أنه تعالى وصف القرية بأنها مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا فكفرت بأنعم الله، فكل هذه الصفات، وإن أجريت بحسب اللفظ على القرية، إلا أن المراد في الحقيقة أهلها، فلا جرم قال في آخر الآية: {بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}، والله أعلم.
{وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)}.
اعلم أنه تعالى لما ذكر المثل ذكر الممثل فقال: {وَلَقَدْ جَاءهُمْ} يعني أهل مكة {رَسُولٌ مِّنْهُمْ} يعني من أنفسهم يعرفونه بأصله ونسبه {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العذاب} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني الجوع الذي كان بمكة.
وقيل: القتل يوم بدر، وأقول قول ابن عباس أولى لأنه تعالى قال بعده: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنةً مطمئنةً}.
يريد بالقرية أهلها {آمنة} يعني من الخوف. {مطمئنة} بالخصب والدعة.
{يأتيها رِزقُها} فيه وجهان:
أحدهما: أقواتها.
الثاني: مرادها. {رغدًا} فيه وجهان:
أحدهما: طيبًا.
الثاني: هنيئًا.
{من كُلِّ مكانٍ} يعني منها بالزراعة، ومن غيرها بالتجارة، ليكون اجتماع الأمرين لهم أوفر لسكنهم وأعم في النعمة عليها.
{فكفرت بأنعم الله} يحتمل وجهين.
أحدهما: بترك شكره وطاعته.
الثاني: بأن لا يؤدوا حقها من مواساة الفقراء وإسعاف ذوي الحاجات.
وفي هذه القرية التي ضربها الله تعالى مثلًا أقاويل:
أحدها: أنها مكة، كان أمنها أن أهلها آمنون لا يتفاوزون كالبوادي.
{فأذاقها اللهُ لباسَ الجوع والخوْف} وسماه لباسًا لأنه قد يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس، وقيل إن القحط بلغ بهم إلى أن أكلوا القد والعلهز وهو الوبر يخلط بالدم، والقِد أديم يؤكل، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
الثاني: أنها المدينة آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كفرت بأنعم الله بقتل عثمان بن عفان وما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بها من الفتن، وهذا قول عائشة وحفصة رضي الله عنهما.
الثالث: أنه مثل مضروب بأي قرية كانت على هذه الصفة من سائر القرى. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {يوم تأتي كل نفس}.
المعنى لغفور رحيم يوم، وقوله: {كل نفس} أي كل ذي نفس، ثم أجري الفعل على المضاف إليه المذكور، فأتت العلامة، و{نفس} الأولى هي النفس المعروفة، والثانية هي بمعنى الذات، كما تقول نفس الشيء وعينه أي ذاته، {وتوفى كل نفس} أي يجازى كل من أحسن بإحسانه وكل من أساء بإساءته.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر الآية أن كل نفس {تجادل} كانت مؤمنة أو كافرة، فإذا جادل الكفار بكذبهم وجحدهم للكفر شهدت عليهم الجوارح والرسل وغير ذلك بحسب الطوائف، فحينئذ لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون، فتجتمع آيات القرآن باختلاف المواطن، وقالت فرقة: الجدال قول كل أحد من الأنبياء وغيرهم: نفسي نفسي، وهذا ليس بجدال ولا احتجاج إنما هو مجرد رغبة.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة والقرية المضروب بها المثل مكة كانت بهذه الصفة التي ذكر الله لأنها كانت لا تغزى ولا يغير عليها أحد، وكانت الأرزاق تجلب إليها، وأنعم الله عليها رسوله والمراد بهذه الضمائر كلها أهل القرية، فكفروا بأنعم الله في ذلك وفي جملة الشرع والهداية، فأصابتهم السنون والخوف، وسرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته، هذا إن كانت الآية مدنية وإن كانت مكية فجوع السنين وخوف العذاب من الله بحسب التكذيب.
قال القاضي أبو محمد: وإن كانت هي التي ضربت مثلًا فإنما ضربت لغيرها مما يأتي بعدها ليحذر أن يقع فيما وقعت هي فيه، وحكى الطبري عن حفصة أم المؤمنين أنها كانت تسأل في وقت حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه ما صنع الناس وهي صادرة من الحج من مكة، فقيل لها قتل فقالت: والذي نفسي بيده، إنها القرية تعني المدينة التي قال الله لها، {وضرب الله مثلًا} الآية.
قال القاضي أبو محمد: فأدخل الطبري هذا على أن حفصة قالت: إن الآية نزلت في المدينة وإنها هي التي ضربت مثلًا، والأمر عندي ليس كذلك وإنما أرادت أن المدينة قد حصلت في محذور المثل وحل بها ما حل بالتي جعلت مثلًا، وكذلك يتوجه عندي في الآية أنها قصد بها قرية غير معينة، جعلت مثلًا لكة على معنى التحذير لأهلها ولغيرها من القرى إلى يوم القيامة، و{رغدًا} نصب على الحال و{أنعم} جمع نعمة كشدة وأشد كذا قال سيبويه وقال قطرب {أنعم} جمع نعم وهي التنعيم، يقال هذه أيام طعم ونعم وقوله: {فأذاقها الله لباس الجوع} استعارات أي لما باشرهم ذلك صار كاللباس وهذا كقول الأعشى: المتقارب:
إذا ما الضجيع ثنى جيدها ** تثنّتْ عليه فصارت لباسا

ونحوه قوله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187]، ومنه قول الشاعر: الطويل:
وقد لبست بعد الزبير مجاشع ** ثياب التي حاضت ولم تغسل الدما

كأن العار لما باشرهم وألصق بهم جعلهم لبسوه، قوله: {أذاقها} نظير قوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49]، ونظير قول الشاعر:
دونك ما جنيته فأحسن وذق

وقرأ الجمهور: {والخوفِ} عطفًا على {الجوع} وقرأ أبو عمرو: بخلاف عنه {والخوفَ} عطفًا على قوله: {لباس}، وفي مصحف أبي بن كعب {لباس الخوف والجوع}، وقرأ ابن مسعود: {فأذاقها الله الخوف والجوع} ولا بذكر {لباس}، والضمير في {جاءهم} لأهل مكة، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، و{العذاب} الجوع وأمر بدر ونحو ذلك إن كان التمثيل بمكة وكانت الآية مدنية، وإن كانت مكية فهو الجوع فقط، وذكر الطبري أنه القتل ببدر، وهذا يقتضي أن الآية نزلت بالمدينة، وإن كان التمثيل بمدينة قديمة غير معينة، فيحتمل أن يكون الضمير في {جاءهم} لأهل تلك المدينة، ويكون هذا مما جرى فيها كمدينة شعيب وغيره ويحتمل أن يكون الضمير المذكور لأهل مكة وتأمل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} أي إن الله غفور رحيم في ذلك.
أو ذَكِّرهم {يوم تأتِي كلُّ نفسٍ تجادِل عن نفسِها} أي تخاصم وتحاجّ عن نفسها؛ جاء في الخبر أن كل أحد يقول يوم القيامة: نفسي نفسي! من شدة هول يوم القيامة سوى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل في أمته.
وفي حديث عمر أنه قال لكعب الأحبار: يا كعب، خوّفنا هيّجنا حدّثنا نبّهنا.
فقال له كعب: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبيًا لأَتَت عليك تاراتٌ لا يهُمّك إلا نفسك، وإن لجهنم زفرة لا يبقى مَلَك مقرّب ولا نبيّ منتخب إلا وقع جاثيًا على ركبتيه، حتى إن إبراهيم الخليل لَيُدْلِي بالخُلّة فيقول: يا رب، أنا خليلك إبراهيم، لا أسألك اليوم إلا نفسي! قال: يا كعب، أين تجد ذلك في كتاب الله؟ قال: قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وتوفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.
وقال ابن عباس في هذه الآية: ما تزال الخصومة بالناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد؛ فتقول الروح: ربِّ، الروح منك أنت خلقته، لم تكن لي يد أبْطِشُ بها، ولا رجل أمشي بها، ولا عين أبصِر بها، ولا أذن أسمع بها ولا عقل أعقل به، حتى جئت فدخلت في هذا الجسد، فضعف عليه أنواع العذاب ونجني؛ فيقول الجسد: ربّ، أنت خلقتني بيدك فكنتُ كالخشبة، ليس لي يد أبطش بها، ولا قدم أسعى به، ولا بصر أبصِر به، ولا سمع أسمع به، فجاء هذا كشعاع النور، فبه نطق لساني، وبه أبصرت عيني، وبه مشت رجلي، وبه سمعت أذني، فضعِّف عليه أنواع العذاب ونجني منه.
قال: فيضرب الله لهما مثلًا أعمى ومُقْعدًا دخلا بستانًا فيه ثمار، فالأعمى لا يبصِر الثمرة والمُقْعد لا ينالها، فنادى المقعدُ الأعمى ايتني فاحملني آكل وأطعِمك، فدنا منه فحمله، فأصابوا من الثمرة؛ فعلى من يكون العذاب؟ قالا: عليهما قال: عليكما جميعًا العذاب؛ ذكره الثعلبي.
قوله تعالى: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً}.
هذا متصل بذكر المشركين.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على مشركي قريش وقال: «اللَّهُمّ اشدد وطأتك على مُضَرَ واجعلها عليهم سِنينَ كِسنِي يوسف» فابتُلُوا بالقحط حتى أكلوا العظام، ووجّه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا ففرّق فيهم.
{كَانَتْ آمِنَةً} لا يُهاج أهلها.
{يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ} من البر والبحر؛ نظيره {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57]. الآية.
{فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله} الأنعم: جمع النِّعمة؛ كالأَشُدّ جمع الشِّدة.
وقيل: جمع نُعْمَى؛ مثل بؤسى وأبؤس.
وهذا الكفران تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم.
{فَأَذَاقَهَا الله} أي أذاق أهلها.
{لِبَاسَ الجوع والخوف} سماه لباسًا لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس.
{بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} أي من الكفر والمعاصي.
وقرأه حفص بن غياث ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو فيما روى عنه عبد الوارث وعبيد وعباس {والخوفَ} نصبا بإيقاع أذاقها عليه، عطفًا على {لباسَ الجوعِ} أي أذاقها الله لباس الجوع وأذاقها الخوف.
وهو بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم سراياه التي كانت تُطيف بهم.
وأصل الذوق بالفم ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء.
وضرب مكة مثلًا لغيرها من البلاد؛ أي أنها مع جوار بيت الله وعمارة مسجده لمّا كفر أهلها أصابهم القَحْط فكيف بغيرها من القرى.
وقد قيل: إنها المدينة، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كفرت بأنْعُم الله لقتل عثمان بن عفان، وما حدث بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتن.
وهذا قول عائشة وحفصة زَوْجَي النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إنه مَثَل مضروب بأيّ قرية كانت على هذه الصفة من سائر القُرَى.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ}.
هذا يدل على أنها مكة.
وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة.
{فَأَخَذَهُمُ العذاب} وهو الجوع الذي وقع بمكة.
وقيل: الشدائد والجوع منها. اهـ.